فصل: فصل: (التوكيل بجُعْل)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكافي في فقه الإمام أحمد ***


كتاب‏:‏ الوكالة

يصح التوكيل في الشراء لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه‏}‏ ولما روى عروة بن الجعد قال‏:‏ أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا أشتري له به لو شاة رواه البخاري أو أضحية ولأن الحاجة داعية إليها فإنه لا يمكن كل أحد شراء ما يحتاج إليه فدعت الضرورة إليها وتجوز في سائر عقود المعاملات قياسا على الشراء وفي تمليك المباحات كإحياء الموات والاصطياد لأنه تملك مال بسبب لا يتعين عليه فجاز التوكيل فيه كالشراء وتجوز في عقد النكاح لأن النبي صلى الله عليه وسلم وكل عمر بن أمية الضمري فتزوج له أم حبيبة وتجوز في الطلاق والعتاق والرجعة لأنها في معنى النكاح وتجوز في إثبات الأموال والحكومة فيها حاضرا كان الموكل أو غائبا لما روي أن عليا وكل عقيلا عند أبي بكر رضي الله عنهم وقال‏:‏ وما قضى عليه فعلي وما قضي له فلي ووكل عبد الله بن جعفر عند عثمان وقال‏:‏ إن للخصومة قحما يعني‏:‏ مهالك وهذه قضايا في مظنة الشهرة ولم تنكر فكانت إجماعا ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك بأن يكون له حق أو عليه ولا يحسن الخصومة أو لا يحب حضورها ويجوز التوكيل في الإقرار لأنه إثبات حق فأشبه البيع ويجوز في إثبات القصاص وحد القذف واستيفائهما في حضرة الموكل وغيبته لأنه حق آدمي أشبه المال وقال بعض أصحابنا‏:‏ لا يجوز استيفاؤهما في غيبته وقد أومأ إليه أحمد رضي الله عنه بأنه يجوز أن يعفو الموكل فيكون ذلك شبهة ويجوز التوكيل في حقوق الله تعالى المالية لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عماله لقبض الصدقات وتفريقها وفي إثبات الحدود واستيفائها لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها‏]‏ متفق عليه ولا تجوز في العبادات البدنية لأن المقصود فعلها ببدنه فلا تحصل من فعل غيره إلا في الحج لما سبق في بابه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الوكالة في الأيمان والنذور‏]‏

ولا تجوز في الأيمان والنذور ولأنها تتعلق بعين الحالف فلا تدخلها النيابة ولا في الإيلاء واللعان والقسامة لأنها أيمان ولا في الشهادة لأن غيره لا يقوم مقامه في مشاهدته ولا في الاغتنام لأنه يتعلق بالحضور فإذا حضر النائب كان السهم له ولا في الالتقاط لأنه بأخذه يصير لملتقطه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏التوكيل في شيء مما لا يصح تصرفه فيه‏]‏

ولا يصح التوكيل في شيء مما لا يصح تصرفه فيه لأن من لا يملك التصرف بنفسه فبنائبه أولى فلا يصح توكيل طفل ولا مجنون ولا سفيه لذلك ولا توكيل المرأة في النكاح ولا الفاسق في تزويج ابنته ولا المسلم لذمي في شراء خمر لذلك فأما من يتصرف بالإذن كالعبد والصبي والوكيل فإن أذن لهم في التوكيل جاز وإن نهو عنه لم يجز وإن أطلق لهم الإذن فلهم التوكيل فيما لا يتولون مثله بأنفسهم أو يعجزون عنه لكثرته لأن تفويضه إليهم مع العلم بهذا إذن في التوكيل وفيما سوى ذلك روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ لا يجوز لهم التوكيل لأنهم يتصرفون بالإذن فاختص بما أذن فيه ولم يؤذن في التوكيل‏.‏

والثانية‏:‏ يجوز لأنهم يملكون التصرف بأنفسهم فملكوه بنائبهم كالمال الرشيد فإن قال لوكيله‏:‏ اصنع ما شئت ملك التوكيل لأنه مما يشاء وولي اليتيم كالوكيل فيما ذكرناه ويملك الولي في النكاح التوكيل فيه من غير إذن المرأة لأن ولايته من غير جهتها فلم يعتبر إذنها في توكيله كالأب وخرج القاضي ولايته الإجبار على الروايتين في الوكيل والفرق بينهما ظاهر‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏تصرف الوكيل لنفسه‏]‏

وفي ملك التصرف لنفسه جاز له أن يتوكل فيه ومن لا فلا فيجوز توكيل الفاسق في قبول النكاح ولا يجوز في الإيجاب لأنه يجوز أن يقبل النكاح لنفسه وقال القاضي‏:‏ لا يجوز فيهما لأن من لا يجوز أن يكون وكيلا في إيجابه لا يكون لا يكون وكيلا في قبوله كالمرأة ويجوز توكيل المرأة في الطلاق لأنه يجوز توكيلها في طلاق نفسها فجاز من غيرها ولا يجوز للعبد وللمكاتب التوكيل إلا بإذن سيدهما ولا الصبي إلا بإذن وليه وإن كان مأذونا له في التجارة لأن التوكيل ليس من التجارة فلا يحصل الإذن فيه إلا بالإذن فيهما‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏ما تصح به الوكالة‏]‏

وتصح الوكالة بكل لفظ دل على الإذن وبكل قول أو فعل دل على القبول مثل أن يأذن له في بيع شيء فيبيعه ويجوز القبول على الفور والتراخي نحو أن يبلغه أن فلانا وكله منذ عام فيقول‏:‏ قبلت لأنه إذن في التصرف فجاز ذلك فيه كالإذن في الطعام ويجوز تعليقها على شرط نحو أن يقول‏:‏ إذا قدم الحاج فأنت وكيلي في كذا أو فبع ثوبي‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الوكالة في تصرف معلوم‏]‏

ولا تصح إلا في تصرف معلوم فإن وكله في كل قليل وكثير لم يصح لأنه يدخل فيه كل شيء فيعظم الغرر وإن كان وكله في بيع ماله كله أو ما شاء منه أو قبض ديونه كلها أو الإبراء منها أو ما شاء منها صح لأنه يعرف ماله ودينه فيعرف أقصى ما يبيع ويقبض فيقبل الغرر وإن قال‏:‏ اشتر لي ما شئت أو عبدا بما شئت فقال أبو الخطاب لا يصح حتى يذكر النوع وقدر الثمن لأن ما يمكن شراؤه يكثر فيكثر الغرر‏:‏ وإن قدر له أكثر الثمن وأقله صح لأنه يقل الغرر وقال القاضي‏:‏ إذا ذكر النوع لم يحتج إلى تقدير الثمن لأنه إذن في أعلاه وقد روي عن أحمد فيمن قال‏:‏ ما اشتريت من شيء فهو بيننا إن هذا جائز وأعجبه وهذا توكيل في شراء كل شيء ولأنه إذن في التصرف فجاز من غير تعيين كالإذن في التجارة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏ما يملكه الوكيل من التصرف‏]‏

ولا يملك من التصرف إلا ما يقتضيه إذن الموكل نطقا أو عرفا لأن تصرفه بالإذن فاختص ما تناوله الإذن فإن وكله في الخصومة لم يملك الإقرار ولا الإبراء ولا الصلح لأنه إذن لا يقتضي شيئا من ذلك وإن وكله في تثبيت حق لم يملك قبضه لأنه لم يتناوله النطق ولا العرف فإنه قد يرضى للتثبت من لا يأمنه على القبض وإن وكل في القبض فهل يملك تثبيته‏؟‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ يملكه لأنه طريق القبض فكان التوكيل في القبض توكيلا فيه‏.‏

والثاني‏:‏ لا يملكه لما ذكرنا في التي قبلها وإن وكله في المبيع لم يملك الإبراء من ثمنه ويملك تسليم المبيع لأن العرف يتناوله ولأنه من تمام العقد وحقوقه ولا يتهم فيه ولا يملك قبض الثمن لأن اللفظ لا يتناوله وقد يرضى للبيع من لا يرضاه للقبض إلا أن تقتضيه الحال بأن يكون بحيث لو ترك ضاع‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الوكالة في البيع في وقت‏]‏

فإن وكله في البيع في وقت لم يملكه قبله ولا بعده لأنه قد يختص غرضه به في زمن لحاجته فيه وإن وكله في بيعه لرجل ولم يملك بيعه لغيره لأنه قد يقصد نفعه أو نفع المبيع بإيصاله إليه وإن وكله في بيعه في مكان الثمن فيه أكثر وأجود لم يملكه في غيره لأنه قد يفوت غرضه وإن تساوت الأمكنة أو قدر له ثمن ملك ذلك لأن الغرض فيهما واحد فالإذن في أحدهما إذن في الآخر وإن وكله في بيع فاسد لم يملكه لأنه منهي عنه ولا يملك الصحيح لأنه لم يأذن له فيه وإن قدر له الثمن في البيع لم يملك البيع بأقل منه لأنه لا يأذن له فيه نطقا ولا عرفا ويملك البيع بأكثر منه وسواء كانت الزيادة من جنس الثمن أو غيره لأنه مأذون فيه عرفا لأنها تنفعه ولا تضره وإن باع بعضه بدون ثمن جميعه لم يجز وإن باعه بجميعه صح لما ذكرناه وله بيع باقيه لأنه إذن فيه ويحتمل أن لا يملكه لأنه حصل غرضه ببيع بعضه فلا يبقى الإذن فيه باقيه وإن وكله في شراء شيء ولم يملك شراء بعضه لأن اللفظ لا يقتضيه وإن قال له‏:‏ بعه بمائة درهم فباعه بعرض يساوي أكثر منها لم يجز لأنه لم يأذن فيه نطقا ولا عرفا وإن باعه بمائة دينار أو بتسعين درهما وعشرة دنانير ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ لا ينفذ لأنه خالفه في الجنس كالتي قبلها‏.‏

والثاني‏:‏ ينفذ لأنه مأذون فيه عرفا لأنه يرضى الدينار مكان الدرهم عرفا وإن وكله في بيع عبيد أو شرائهم ملك ذلك صفقة واحدة وصفقات لأن العرف جار بكلا الأمرين وإن أمره بصفقة واحدة لم يملك التفريق فإن اشتراهم صفقة واحدة من رجلين جاز لأن الصفقة من جهته واحدة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الوكالة المطلقة في البيع‏]‏

وإن وكله في البيع وأطلق لم يملك البيع بأقل من ثمن المثل لأن إذنه تقيد بذلك عرفا لكون غير ذلك تضييعا لماله وهو لا يرضاه ولو حضر من يطلبه بأكثر من ثمن المثل يم يجز بيعه بثمن المثل لأنه تضييع لمال أمكن تحصليه وإن باع بثمن المثل فحضر من يزيد في مدة الخيار لم يلزمه الفسخ لأنها زيادة منهي عنها ولا يأمن رجوع صاحبها عنها فإن باع بأقل من ثمن المثل أو بأقل مما قدر له فعنه‏:‏ البيع باطل لأنه غير مأذون فيه وعنه‏:‏ يصح ويضمن الوكيل النقص لأنه فوته ويصح البيع لأن الضرر يزول بالتضمين ولا عبرة بما يتغابن الناس به كدرهم في عشرة لأنه لا يمكن التحرز منه وهل يلزم الوكيل جميع النقص أم بين ما يتغابن الناس به وما لا يتغابنون به‏؟‏ على وجهين وكل موضع قلنا لا يملك البيع والشراء فحكمه فيه حكم الأجنبي وقد ذكرناه لأن هذا غير مأذون فيه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الوكالة في الشراء‏]‏

وإن وكله في الشراء فأطلق لم يجز أن يشتري بأكثر من ثمن المثل لما ذكرنا وإن اشترى بأقل من ثمن المثل أو أقل ما قدر له صح لأنه مأذون فيه عرفا فإن قال‏:‏ لا تشتره بأقل من مائة لم يملك مخالفته لأن نصه مقدم على دلالة العرف وإن قال‏:‏ اشتره بمائة ولا تشتره بخمسين فله شراؤه بما فوق الخمسين لأنه باق على دلالة العرف وإن قال‏:‏ اشتر لي عبدا وصفه بمائة فاشتراه بدونها جاز وإن خالف الصفة لم يلزم الموكل وإن لم يصفه فاشترى عبدا يساوي مائة بأقل منها جاز وإن لم يساو المائة لم يلزم الموكل وإن ساوى ما اشتراه به لأنه خالف غرضه وإن قال‏:‏ اشتر لي شاة بدينار فاشترى شاتين تساوي إحداهما دينارا صح لحديث عروة ولأنه ممتثل للأمر بإحداهما والثانية زيادة نفع وإن لم تساو دينارا لم يصح فإن باع الوكيل شاة وبقيت التي تساوي دينارا فظاهر كلام أحمد صحته لحديث عروة ولأنه وفى بغرضه فأشبه إذا زاد على ثمن المثل‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الوكالة في الشراء نسيئة‏]‏

وإن وكله في الشراء نسيئة فاشترى نقدا لم يلزم الموكل لأنه لم يأذن له فيه وإن وكله في الشراء بنقد فاشترى بنسيئة أكثر من ثمن النقد لم يجز لذلك وإن كان بمثل ثمن النقد وكان فيه ضرر مثل أن يستضر بحفظ ثمنه فكذلك وإن لم يستضر به لزمه لأنه زاده خيرا وإن أذن له في البيع بنقد لم يملك بيعه نسيئة وإن أذن له في البيع نسيئة فباع بنقد فهي كمسألة الشراء سواء وإن عين له نقدا لم يبع إلا به وإن أطلق لم يبع إلا بنقد البلد لأن الإطلاق ينصرف إليه فإن كان فيه نقدان باع بأغلبهما وإن قدر له أجلا لم تجز الزيادة عليه لأنه لم يرض بها وإن أطلق الأجل جاز وحمل على العرف في مثله لأن مطلق الوكالة يحمل على المتعارف ولا يملك الوكيل في البيع والشراء شرط الخيار للعاقد معه لأنه لا حظ للموكل فيه وله شرط الخيار لنفسه ولموكله ولأنه احتياط له‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا قال‏:‏ اشتر لي عينا من الثمن فاشترى له في ذمته‏]‏

إذا قال‏:‏ اشتر لي عينا من الثمن فاشترى له في ذمته لم يقع للموكل لأنه لم يرض بالتزام شيء في ذمته فلم يجز إلزامه وإن قال‏:‏ اشتر لي في ذمتك ثم انقد هذا فيه فاشتراه بعينه صح للموكل لأنه أمره بعقد يلزمه به دينار مع بقاء الدينار وتلفه فعقد له عقدا لا يلزمه مع تلفه فزاده خيرا ويحتمل ألا يصح لأنه أراد عقدا لا يبطل باستحقاقه ولا تلفه ففوت ذلك وإن أطلق فله الأمران لأن العرف جار بهما‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن وكله في شراء شيء مقيد بوصف‏]‏

وإن وكله في شراء موصوف لم يجز أن يشتري معيبا لأن إطلاق البيع يقضي السلامة ولذلك يرد بالعيب فإن اشترى معيبا يعلم عيبه لم يقع للموكل لأنه مخالف له وإن لم يعلم بالعيب فالبيع صحيح كما لو اشترى لنفسه فإن علم الموكل فرضي به فليس للوكيل رده لأن الرد لحقه فسقط برضاه وللوكيل الرد قبل علمه لأنها ظلامة حصلت بعقده فملك دفعها كالمشتري لنفسه ولا يلزمه التأخير لأنه حق تعجل له وله أن يرض به ويسقط خياره وإن حضر الموكل فرضي به استقر العقد وإن اختار الرد فله ذلك لأن الشراء له ولم يرض بالعيب فإن أنكر البائع كون الشراء للموكل فالقول قوله ويرد المبيع على الوكيل في أحد الوجهين لأنه اتباع المعيب ومنعه الرد لرضاه بعينه والثاني‏:‏ ليس له الرد عليه لأنه غير البائع وللمشتري أرش العيب لأنه فات الرد به من غير رضاه فإن تعذر ذلك من البائع لزم الوكيل لأنه ألزمه المبيع وإن قال البائع‏:‏ موكلك قد علم بالعيب فرضي به فالقول قول الوكيل مع يمينه لأنه لا يعلم ذلك لأن الأصل عدمه فإن قال‏:‏ أخر الرد حتى يعلم موكلك لم يلزمه التأخير فإن أخر وقلنا‏:‏ الرد على الفور لم يسقط خياره ذكره القاضي لأنه لم يرض به ويحتمل أن يسقط لتركه الرد مع إمكانه فإن رده فقال الموكل‏:‏ قد كنت رضيته معيبا‏:‏ فصدقه البائع انبنى على عزل الوكيل قبل علمه لأن هذا كذلك وإن أنكره البائع فالقول قوله أنه لا يعلم ذلك وإن وكله في شراء شيء عينه فاشتراه فوجده معيبا ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ يملك الرد لأنه معيب لم يرض به العاقد‏.‏

والثاني‏:‏ لا يملكه بغير رضى الموكل لأنه قطع نظره واجتهاده بالتعيين فإن قلنا‏:‏ يملكه فحكمه حكم غير المعين‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الوكالة في قبض الحق‏]‏

إذا وكله في قبض حقه من زيد فمات زيد لم يملك القبض من وارثه لأنه لم يتناوله إذنه نطقا لأنهم غيره ولا عرفا لأنه قد يرضى بقاء حقه عندهم دونه وإن قال‏:‏ اقبض حقي الذي قبل زيد فله القبض من وارثه لأن لفظه يتناول قبض الحق من غير تعرض للمقبوض منه وإن وكل وكيلين في تصرف لم يكن لأحدهما الانفراد به لأنه لم يرض بأحدهما وإن وكله في قضاء دين بالإشهاد لأنه لا يحصل الاحتياط إلا به فإن قضاه بغير بينة فأنكر الغريم ضمن لتفريطه وإن شهد ببينه عادلة فماتت أو غابت لم يضمن لأنه لا تفريط منه وإن قضاه بحضرة الموكل من غير إشهاده ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ يضمن لأنه ترك التحفظ‏.‏

والثاني‏:‏ لا يضمن لأنه إذا كان المؤدى عنه حاضرا فهو التارك للتحفظ وإن قضاه ببينة مختلف فيها فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ يضمن لأنه ترك التحفظ‏.‏

والثاني‏:‏ لا يضمن لأنها بينة شرعية أشبهت المجمع عليها‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏ثبوت الملك للموكل‏]‏

إذا اشترى لموكله ثبت الملك للموكل لأنه قبل العقد لغيره فوجب أن ينقل الملك إلى ذلك الغير كما لو تزوج لغيره ويثبت الثمن في ذمته أصلا وفي ذمة الوكيل تبعا وللبائع مطالبة من شاء منهما كالضمان في أحد الوجهين وفي الآخر لا يثبت إلا في ذمة الموكل وليس له مطالبة غيره فإن دفع الثمن فوجد به البائع عيبا فرده على الوكيل فتلف في يده فلا شيء عليه لأنه أمين وللبائع المطالبة بالثمن لأنه دين له فأشبه سائر ديونه وللوكيل المطالبة به لأنه نائب للمالك فيه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الوكالة عقد جائز في الطرفين لكل واحد منهما فسخها‏]‏

والوكالة عقد جائز في الطرفين لكل واحد منهما فسخها لأنه إذن في التصرف فملك كل واحد منهما إبطاله كالإذن في أكل طعامه وإن أذن لوكيله في توكيل آخر فهما وكيلان للموكل لا ينعزل أحدهم بعزل الآخر ولا يملك الأول عزل الثاني لأنه ليس بوكيله وإن أذنه في توكيله عن نفسه فالثاني وكيل الوكيل ينعزل ببطلان وكالة الأول وعزله له لأنه فرعه فثبت فيه ذلك كالوكيل مع موكله وللموكل عزله وحده لأنه متصرف له فملك عزله كالأول‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏خروج الموكل عن أهلية التصرف‏]‏

وإذا خرج الموكل عن أهلية التصرف لموت أو جنون أو حجر أو فسق في ولاية النكاح بطلت الوكالة لأنه فرعه فيزول بزوال أصله فإن وجد ذلك أو عزل الوكيل فهل ينعزل قبل علمه‏؟‏ فيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ ينعزل لأنه رفع عقد لا يفتقر إلى رضاه فلم يفتقر إلى علمه كالطلاق‏.‏

والثانية‏:‏ لا ينعزل لأنه أمر فلا يسقط قبل علمه بالنهي كأمر الشارع وإن أزال الموكل ملكه عن ما وكله فيه بإعتاق أو بيع أو طلاق التي وكله في طلاقها بطلت الوكالة لأنه أبطل محليته وإن وطئ الزوجة أو دبر العبد أو كاتبه بطلت الوكالة لأن ذلك يدل على رجوعه إذ لا يجتمع مقصود هذه التصرفات مع البيع والوطء يدل على رغبته في زوجته وإن وكله في الشراء بدينار فتلف بطلت الوكالة فإن تلف بتفريطه فغرمه هو أو غيره لم يملك الشراء ببدله لأن الوكالة بطلت بتلفه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏ما لا تبطل به الوكالة‏]‏

ولا تبطل بالنوم والسكر والإغماء لأنه تثبت الولاية عليه ولا بالردة لأنها لا تمنع ابتداء وكالته فلا تمنع استدامتها ولا بالتعدي فيما وكل فيه كلبس الثوب وركوب الدابة لأن العقد يتضمن أمانة وتصرفا فإذا بطلت الأمانة بقي التصرف كالرهن المتضمن وثيقة وأمانة وإن وكله في بيع عبد ثم باعه المالك بيعا فاسدا لم تبطل الوكالة لأن ملكه فيه لم يزل ولا يؤول إلى الزوال وإن وكل زوجته ثم طلقها لم تنعزل لأن الطلاق لا ينافي الوكالة ولا يمنع ابتداءها وإن وكل عبد ثم أعتقه أو باعه فكذلك ويحتمل أن ينعزل لأن أمره لعبده استخدام وليس بتوكيل في الحقيقة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏التوكيل بجُعْل‏]‏

ويجوز التوكيل بجعل لأنه تصرف لغيره لا يلزمه فجاز أخذ العوض عنه كرد الآبق وإذا وكله في البيع بجعل فباع استحق الجعل قبل قبض الثمن لأن البيع يتحقق قبل قبضه فإذا قال في التوكيل‏:‏ فإذا سلمت إلي الثمن فلك كذا وقف استحقاقه على التسليم إليه لاشتراطه إياه وإن قال‏:‏ بع هذا بعشرة فما زاد فهو لك صح وله الزيادة لأن ابن عباس كان لا يرى بذلك بأسا‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم بيع الوكيل أي شيء أو شرائه لنفسه‏]‏

وليس للوكيل في بيع شيء بيعه لنفسه ولا للوكيل في الشراء أن يشتري من نفسه لأن العرف في العقد أن يعقد مع غيره فحمل التوكيل عليه ولأنه تلحقه تهمة ويتنافى الغرضان فلم يجز لكما لو نهاه وعنه‏:‏ يجوز لأنه امتثل أمره وحصل غرضه فصح كما لو باع أجنبيا وإنما يصح بشرط أن يزيد على مبلغ ثمنه في النداء ويتولى النداء غيره لتنتفي التهمة قال القاضي‏:‏ ويحتمل أن لا يشترط ذلك وكذلك الحكم في بيعه لوكيله أو طفل يلي عليه أو ولده أو والده أو مكاتبه أو تزويجه لابنته إذا وكله أن يتزوج له لأنه يتهم في حقه ويترك الاستقصاء عليهم وإن أذن له الموكل في هذا جاز لانتفاء التهمة مع صريح الإذن وإن وكله رجل في بيع عبده ووكله آخر في شرائه فله أن يتولى طرفي العقد كما يجوز للأب ذلك في حق ولده الصغير‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏توكيل العبد في شراء عبد آخر‏]‏

فإذا وكله عبدا في شراء عبد من سيده جاز لأنه يجوز أن يشتري من غير سيده فجاز منه كالأجنبي وإن وكله في شراء نفسه جاز لأنه يجوز أن يشتري غيره فجاز أن يشتري نفسه كالأجنبي فإن قال السيد‏:‏ ما اشتريت نفسك إلا لنفسك عتق لإقرار سيده بحريته والقول قول السيد في الثمن لأن الظاهر ممن باشر العقد أنه له ولو وكله سيده في إعتاق نفسه أو وكل غريمه في إبراء نفسه صح لأنه وكيله في إسقاط حق نفسه فجاز كتوكيل الزوجة في طلاقها وإن كان غريمه في إبراء غرمائه لم يملك إبراء نفسه كما لو وكله في حبسهم لم يملك حبس نفسه وإن وكله في تفرقة صدقة لم يملك صرفها على نفسه لأنه مأمور بإعطاء غيره قال أصحابنا‏:‏ لا يملك إعطاء ولده ووالده لأنهم كنفسه ويحتمل جواز ذلك لأنه لفظ يعمهم ولا قرينة تخرجهم‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏ضمان الوكيل‏]‏

والوكيل أمين لا ضمان عليه فيما تلف تحت يده بغير تفريط بجعل وبغير جعل لأنه نائب المالك أشبه المودع والقول قوله فيما يدعيه من تلف وعدم تفريط وخيانة لذلك القول قوله في الرد إن كان متطوعا لأن قبض المال لنفع مالكه فهو كالمودع وإن كان بجعل ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ يقبل قوله لأنه أمين أشبه المودع‏.‏

والثاني‏:‏ لا يقبل لأنه قبضه لنفع نفسه أشبه المستعير‏.‏

وإن قال‏:‏ بعت وقبضت الثمن فتلف في يدي ففيه وجهان ذكرناهما في الرهن وإن اختلفا في أصل الوكالة فالقول قول من ينكرها لأن الأصل عدمها وإن اختلفا في دفع المال إلى الوكيل فالقول قوله لذلك فإن أنكره ثم اعترف به ثم ادعى تلفه أو دره لم يقبل لأن خيانته ثبتت بجحده وكذلك الحكم في المودع وإن أقام بدعواه ببينة ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ تقبل لأنها شهدت بما لو قر به لثبت فقبلت‏:‏ كما لو لم ينكر‏.‏

والثاني‏:‏ لا تقبل لأنه مكذب بها بجحده فإن كان جحوده‏:‏ إنك لا تستحق علي شيئا لتلفه أو رده وإن اختلفا في صفة الوكالة فقال‏:‏ وكلتني في بيع هذا فقال‏:‏ بل في بيع هذا أو قال‏:‏ وكلتني في بيعه بعشرين قال‏:‏ بل بثلاثين أو قال وكلتني في بيعه نسيئة قال‏:‏ بل نقدا فالقول قول الموكل لأنه منكر للعقد الذي يدعيه الوكيل فأشبه ما لو أنكر أصل الوكالة ولأنهما اختلفا في صفة قول الموكل فكان القول قوله كما لو اختلف الزوجان في صفة الطلاق ونص أحمد رضي الله عنه في صفة المضارب على أن القول قوله والوكيل في معناه لأنه أمين في التصرف فكان القول قوله في صفته كما لو اختلفا في بيع الثوب المأذون في بيعه وإن قال‏:‏ اشتريت هذا لك بعشرة قال‏:‏ بل بخمسة فالحكم فيه كذلك وإن قال‏:‏ اشتريت لك هذه الجارية لك بإذنك بعشرة فأنكر الإذن في شرائها فالقول قول الموكل فيحلف ويبطل البيع إن كان بعين المال ويرد الجارية على البائع إن صدق الوكيل في أنه وكيل وإن أنكر الشراء لغيره فالقول قوله وعلى الوكيل غرامة الثمن لموكله وتبقى الجارية في يده ولا تحل له لأنها ليست ملكا له فإذا أراد استحلالها اشترى ممن هي له في الباطن فإن أبى بيعها استحل للحاكم أن يرفق به لبيعه إياها ولا يجبر لأنه عقد مراضاة فإن أبى فقد حصلت في يده لغيره وله في ذمة صاحبها ثمنها فأقرب الوجوه فيها أنه يأذن للحاكم في بيعها ويوفيه حقه من ثمنها لأن الحاكم باعها في وفاء دينه فإن قال صاحبها‏:‏ إن كانت لي فقد بعتكها بعشرين فقال القاضي‏:‏ لا يصح لأنه بيع معلق على شرط ويحتمل أن يصح لأن هذا شرط واقع يعلمانه فلا يضر جعله شرطا كما لو قال‏:‏ إن كانت جارية فقد بعتكها‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن قال‏:‏ تزوجت لك فلانة بإذنك فصدقته المرأة وأنكره‏]‏

فإن قال‏:‏ تزوجت لك فلانة بإذنك فصدقته المرأة وأنكره فالقول قول المنكر لأن الأصل معه ولا يستحلف لأن الوكيل يدعي حقا لغيره وإن ادعته المرأة استحلف لأنها تدعي صداقها عليه فإن حلف برئ من الصداق ولم يلزم الوكيل في أحد الوجهين لأن حقوق العقد تتعلق بالموكل فإن كان الوكيل ضمنه لها فلها مطالبته به وليس لها نكاح غيره لاعترافها أنها زوجته فتؤخذ بإقرارها ولا يكلف الطلاق لأنه لم يثبت في حقه نكاح ويحتمل أن يكلفه لإزالة احتمال لأنه يحتمل صحة دعواها فينزل منزلة النكاح الفاسد ولو مات أحدهما لم يرثه الآخر لأنه لم يثبت صداقها فترث وهو ينكر أنها زوجته فلا يرثها‏.‏

باب‏:‏ الشركة

يجوز عقد الشركة في الجملة لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ‏[‏قال الله تعالى‏:‏ انا ثالث الشركين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خان أحدهما صاحبه خرجت من بينهما‏]‏ رواه أبو داود‏.‏

وتكره شركة الذمي إلا أن يكون المسلم يتولى البيع والشراء لما روى الخلال بإسناده عن عطاء قال‏:‏ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهودي والنصراني إلا أن يكون البيع والشراء بيد المسلم ولأنه لا يأمن معاملتهم بالربا والعقود الفاسدة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏أنواع الشركة‏]‏

والشركة على أربعة أضراب‏:‏

أحدها‏:‏ شركة العنان وهو أن يشترك اثنان بماليهما على أن يعملا فيه بأبدانهما والربح بينهما فإذا صحت فما تلف من المالين فهو من ضمانهما وإن خسرا كانت الخسارة بينهما على قدر المالين لأنهما صارا كمال واحد في ربحه فكذلك في خسرانه والربح بينهما على ما شرطاه لأن العمل يستحق به الربح وقد يتفاضلان فيه لقوة أحدهما وحذقه فجاز أن يجعل له حظ من الربح كالمضارب‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الشركة على الدراهم والدنانير‏]‏

وتصح الشركة على الدراهم والدنانير لأنهما أثمان البياعات وقيم الأموال ولا تصح بالعروض في إحدى الروايتين لأن قيمة أحدهما ربما تزيد قبل بيعه فيشاركه الآخر في نماء العين التي هي ملكه والثانية‏:‏ تصح الشركة بها ويجعل رأس المال قيمتها وقت العقد لأن مقصودها نفوذ تصرفهما في المال المشترك وكون ربحه بينهما وهذا ممكن في العروض والحكم في النقرة والمغشوش والمفلس كالحكم في العروض لأن قيمتها تزيد وتنقص فأشبهت العروض ولا تجوز الشركة بمجهول ولا جزاف لأنه لا يمكن الرجوع به عند المفاضلة ولا بدين ولا غائب لأنه مما لا يجوز والتصرف فيه وهو مقصود الشركة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم الشركة في نقدين مختلفين‏]‏

ويجوز في المختلفين فيكون لأحدهما دنانير وللآخر دراهم ولأحدهما صحاح وللآخر مكسرة أو لأحدهما مائة والآخر مائتان لأنهما أثمان فصحت الشركة بهما كالمتفقين ويرجع كل واحد منهما عند المفاضلة بمثل ماله نص عليه لأنها أثمان فيجب الرجوع بمثلها كالمتفقين وتجوز الشركة وإن لم يخلطا المالين لأنه يقصد بها كون الربح بالمالين فلم يشترط خلط المال كالمضاربة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏مبنى الشركة‏]‏

ومبناها على الوكالة والأمانة لأن كل واحد منهما بتفويض المال إلى صاحبه أمنه وبإذنه له في التصرف وكله ولكل واحد منهما العمل في المالين بحكم الملك في حصته والوكالة في حصة شريكه وحكمها في جوازها وانفساخها حكم الوكالة لتضمنها للوكالة فإن عزل أحدهما صاحبه قبل أن ينض المال فذكر القاضي‏:‏ أن ظاهر كلام أحمد رضي الله عنه أنه لا ينعزل حتى ينض كالمضارب إذا عزله رب المال وقال أبو الخطاب ينعزل لأنها وكالة فإذا عزله فطلب أحدهما البيع والآخر القسمة أجيب طالب القسمة لأنه يستدرك ما يحصل من الربح بالقسمة فلم يجبر على البيع بخلاف المضارب وهذا إنما يصح إذا كان الربح على قدر المالين فإن زاد ربح أحدهما عن ماله لم يستدرك ربحه بالقسمة فيتعين البيع كالمضاربة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏موت أحد الشريكين‏]‏

فإن مات أحدهما فلوارثه إتمام الشركة فيأذن للشريك ويأذن له الشريك في التصرف لأن هذا إتمام للشركة وليس بابتداء لها فلا تعتبر شروطها وكذلك إن مات رب المال في المضاربة فلوارثه إتمامها في ظاهر كلامه ويحتمل أن لا يجوز إتمامها إلا أن يكون المال ناضا لأن العقد قد بطل بالموت وهذا ابتداء عقد فلا يجوز بالعروض وإن مات عامل الضاربة لم يجز إتمامها إلا على الوجه الذي يجوز ابتداءها لأنه لم يخلف أصلا يبنى عليه ولو كان مال الشركة والمضاربة موصى به والموصى له كالوارث في هذا فإن كانت الوصية لغير معين كالفقراء فليس للموصي الإذن في التصرف لأنه قد وجب دفعه إليهم‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم كل تصرف أحد الشريكين‏]‏

ولكل واحد من الشريكين أن يبيع ويشتري مساومة ومرابحة وتولية ومواضعة ويقبض المبيع والثمن ويقبضهما ويطالب بالدين ويخاصم فيه ويرد بالعيب العقد الذي وليه هو أو صاحبه ويحيل ويحتال ويستأجر ويفعل كل ما هو من مصلحة التجارة بمطلق الشركة لأن هذا عادة التجار وقد أذن له في التجارة وهل لأحدهما أن يبيع نساء أو يبضع أو يودع أو يسافر بالمال‏؟‏ يخرج على روايتين‏:‏

إحداهما‏:‏ له ذلك لأنه عادة التجار ولأن المقصود الربح وهو في هذه أكثر‏.‏

والأخرى‏:‏ لا يجوز لأن فيه تغريرا بالمال وهل له التوكيل‏؟‏ يخرج على الروايتين في الوكيل لأنه وكيل وإذا وكل أحدهما فللآخر عزله لأنه وكيله وهل له أن يرهن ويرتهن‏؟‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ له ذلك لأن الرهن يراد للإيفاء والارتهان يراد للاستيفاء وهو يملكهما فيملك ما يراد لهما‏.‏

والثاني‏:‏ لا يجوز لأن فيه خطرا وفي الإقالة وجهان أصحهما‏:‏ أنه يملكها لأنه إن كانت بيعا فقد أذن فيه وإن كانت فسخا ففسخ البيع المضر من مصلحته التجارة فملكه كالرد بالعيب والآخر لا يملكها لأنها فسخ فلا تدخل في الإذن في التجارة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏مكاتبة الرقيق محل الشركة أو تزويجهم ونحو ذلك‏]‏

وليس له أن يكاتب رقيقه ولا يزوجه ولا يعتقه بمال ولا يقرض ولا يحابي لأن ذلك ليس بتجارة وليس له المشاركة بمال الشركة ولا المضاربة به ولا خلطه بماله ولا مال غيره لأنه يثبت بالمال حقوقا وليس هو من التجارة المأذون فيها ولا يأخذ به سفتجة ولا يعطيها لأن فيه خطرا ولا يستدين على مال الشركة ولا يشتري ما ليس عنده ثمنه لأنه يؤدي إلى الزيادة في مال الشركة ولم يؤذن فيه فإن فعل فعليه ثمن ما اشتراه ويختص بملكه وربحه وضمانه وكذلك ما استدانه أو اقترضه ويجوز أن يشتري نساء ما عنده ثمنه لأنه لا يفضي إلى الزيادة فيها وإن أقر على مال الشركة قبل في حقه دون صاحبه سواء أقر بعين أو دين لأن الإقرار ليس من التجارة وقال القاضي‏:‏ يقبل إقراره على مال الشركة ويقبل إقراره بعيب في عين باعها كما يقبل إقرار الوكيل على موكله به نص عليه لأنه تولى بيعها فقبل إقراره بالعيب كمالها فإن رد عليه المعيب فقبله أو دفع أرشه أو أخر ثمنه أو حط بعضه لأجل العيب جاز لأن العيب يجوز الرد وقد يكون ما يفعله من هذا أحظ من الرد فأما إن حط بعض الثمن ابتداء أو أسقط دينا عن غريمهما أو أخره عليه لزم في حقه دون صاحبه لأنه تبرع فجاز في حقه دون شريكه كالصدقة فإن قال له‏:‏ اعمل برأيك فله عمل ما يقع في التجارة من الرهن والارتهان والبيع نساء والإبضاع بالمال والمضاربة به والشركة وخلطه بماله والسفر به وإيداعه وأخذ السفتجة ودفعها ونحوه لأنه فوض إليه الرأي في التصرف في التجارة وقد يرى المصلحة في هذا وليس له التبرع والحطيطة والقرض وكتابة الرقيق وعتقه وتزويجه لأنه ليس بتجارة وإنما فوض إليه العمل برأيه في التجارة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏شركة الأبدان‏]‏

الضرب الثاني‏:‏ شركة الأبدان وهو أن يشترك اثنان فيما يكتسبانه بأبدانهما كالصانعين يشتركان على أن يعملا في صناعتهما أو فيما يكتسبان من مباح كالحشيش والحطب والمعادن والتلصص على دار الحرب فما رزق الله هو بينهما فهو جائز لما روى عبد الله بن مسعود قال‏:‏ اشتركت أنا وعمار وسعد فيما نصيب يوم بدر قال‏:‏ فلم أجئ أنا وعمار بشيء وجاء سعد بأسيرين رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة واحتج به أحمد ومبناها على الوكالة لأن كل واحد منها وكيل صاحبه وما يتقبله كل واحد من الأعمال فهو من ضمانهما يطالب به كل واحد منهما ويلزمه عمله قال القاضي‏:‏ ويحتمل أن لا يلزم كل واحد منهما ما لزم صاحبه كالوكيلين ويصح مع اتفاق الصنائع واختلافها لأنهما اتفقا في مكسب واحد كما لو اتفقت الصنائع وقال أبو الخطاب‏:‏ لا تصح مع اختلافها لأن الشركة تقتضي أن ما يتقبله أحدهما يلزمه صاحبه ولا يمكن أن يلزمه عمل صناعة لا يحسنها‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏كيفية تقسيم الربح في شركة الأبدان‏]‏

والربح بينهما على ما شرطاه من مساواة أو تفاضل لأنهما يستحقان بالعمل والعمل يتفاضل فجاز أن يكون الربح متفاضلا وما لزم أحدهما من ضمان لتعديه وتفريطه فهو عليه خاصة لأن ذلك لا يدخل في الشركة ولكل واحد منهما طلب الأجرة وللمستأجر دفعها إلى أيهما شاء وإن تلفت في يد أحدهما بغير تفريط فلا ضمان عليه لأنه وكيل‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن عمل أحدهما دون صاحبه‏]‏

وإن عمل أحدهما دون صاحبه فالكسب بينهما لحديث ابن مسعود حين جاء سعد بأسيرين وأخفق الآخران وإن ترك أحدهما العمل لعجز أو غيره فللآخر مطالبته بالعمل أو بإقامة من يعمل عنه أو يفسخ‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا كان لرجلين دابتان فاشتركا على أن يحملا عليهما‏]‏

إذا كان لرجلين دابتان فاشتركا على أن يحملا عليهما فما رزق الله تعالى من الأجرة فهو بينهما صح ثم إن تقبلا حمل شيء في ذمتهما فحملاه عليهما صح والأجرة على ما شرطاه لأن تقبلهما الحمل أثبته في ذمتهما وضمانهما والشركة تنعقد على الضمان كشركة الوجوه وإن أجراهما على حمل شيء اختص كل واحد منها بأجرة دابته ولا شركة لأنه لم يجب الحمل في ذمته وإنما استحق المكتري منفعة هذه البهيمة التي استأجرها ولهذا تنفسخ الإجارة بموتها ولا يصح أن يكون كل واحد منهما وكيل صاحبه في إجارة دابة نفسه ولهذا لو قال‏:‏ أجر دابتك وأجرها بيتي وبيتك لم يصح فإن أعان أحدهما صاحبه في التحميل فله أجرة مثله لأنها منافع وفاها بشبه عقد‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏إن دفع دابة إلى رجل يعمل عليها أو عبده ليكتسب ويكون ما يحصل بينهما نصفين أو أثلاثا‏]‏

فإن دفع دابة إلى رجل يعمل عليها أو عبده ليكتسب ويكون ما يحصل بينهما نصفين أو أثلاثا صح نص عليه لأنها عين تنمى بالعمل عليها فجاز العقد عليها ببعض نمائها كالشجر في المساقاة ونقل عنه أبو داود فيمن يعطي الفرس على نصف الغنيمة‏:‏ أرجو أن لا يكون به بأس ووجهه ما ذكرناه وإن دفع ثيابا إلى خياط ليخيطها ويبيعها وله جزء من ربحها أو غزلا لينسجه ثوبا بثلث ثمنه أو ربعه جاز وإن جعل معه دراهم لم يجز وعنه‏:‏ الجواز والأول المذهب لأنه لا يجوز أن يشترط في المساقاة دراهم معلومة وإنما أجاز أحمد ذلك تشبيها بالمساقاة قال‏:‏ نراه جائزا لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى خيبر على الشطر‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏إن دفع رجل بغلة وآخر راوية إلى رجل ليستقي‏]‏

وإن دفع رجل بغلة وآخر راوية إلى رجل ليستقي ما رزقهم الله بينهم فقياس المذهب صحته لأن كل واحدة منها عين تنمى بالعمل عليها فصح دفعها بجزء من النماء كالتي قبلها وقال القاضي‏:‏ لا يصح لأن المشاركة بالعروض لا تصح والأجرة للعامل لأنه ملك الماء باغترافه في الإناء ولصاحبيه أجرة المثل لأنه استوفى منافع ملكهما بشبه عقد ولو اشترك صانعان على أن يعملا بأداة أحدهما في بيت الآخر والكسب بينهما صح لأن الأجرة على عملهما وبه يستحق الربح ولا يستحق بالآلة والبيت شيء إنما يستعملانها في العمل فصارا كالدابتين في الشركة ولو اشترك صاحب بغل وراوية على أن يؤجراهما والأجرة بينهما لم يصح لأن حاصله أن كل واحد منهما يؤجر ملكه ويعطي الآخر من أجرته وليس بصحيح والأجرة كلها لمالك الدابة لأنه صاحب الأصل والآخر أجرة مثله‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏شركة الوجوه‏]‏

الضرب الثالث‏:‏ شركة الوجوه وهو‏:‏ أن يشترك رجلان فيما يشتريان بجاههما وثقة التجار بهما من غير أن يكون لهما رأس مال على أن ما اشترياه فهو بينهما على ما اتفقا عليه من مساواة أو تفاضل ويبيعان فما رزق الله تعالى من الربح فهو بينهما على ما اتفقا عليه فهو جائز سواء عين أحدهما لصاحبه ما يشتريه أو قال‏:‏ ما اشتريت من شيء فهو بيننا نص عليه والربح بينهما على ما اشترطاه وقال القاضي‏:‏ الربح بينهما على قدر ملكيهما في المشترى ولنا أنهما شريكان في المال فجاز تفاضلهما في الربح مع تساويهما في الملك كشركي العنان والوضيعة على قدر ملكيهما في المشترى لأنه رأس مال ومبناها على الوكالة لأن كل واحد منهما وكيل صاحبه فيما يشتريه ويبعه وحكمهما في جواز ما يجوز لكل واحد منهما أو يمنع منه حكم شركة العنان‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏شركة المفاوضة‏]‏

الضرب الرابع‏:‏ شركة المفاوضة وهو أن يشتركا في كل شيء يملكانه وما يلزم كل واحد منهما من ضمان غصب أو جناية أو تفريط وفي ما يجدان من ركاز أو لقطة فلا يصح لأنه يكثر فيها الغرر ولأنها لا تصح بين المسلم والكافر فلا تصح بين المسلمين كسائر العقود المنهي عنها ولأنه يدخل فيها أكساب غير معتادة وحصول ذلك وهم لا يتعلق به حكم‏.‏

باب‏:‏ المضاربة

وهو أن يدفع إنسان ماله إلى آخر يتجر فيه والربح بينهما وهي جائزة بالإجماع يروى إباحتها عن عمر وعلي وابن مسعود وحكيم بن حزام رضي الله عنهم في قصص مشتهرة ولا مخالف لهم فيكون إجماعا وتسمى مضاربة وقراضا وتنعقد بلفظهما وبكل ما يؤدي معناهما لأن القصد المعنى فجاز بما دل عليه كالوكالة وحكمها حكم شركة العنان في جوازها وانفساخها وفي ما يكون رأس المال فيها وما لا يكون وما يملكه العالم وما يمنع منه وكون الربح بينهما على شرطاه لأنها شركة فيثبت فيها ذلك كشركة العنان‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏شروط المضاربة‏]‏

ويشترط تقدير نصيب العامل ونصيب كل واحد من الشريكين في الشركة بجزء مشاع لأن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها والمضاربة في معناها فإن قال‏:‏ خذه مضاربة والربح بيننا صح وهو بينهما نصفين لأنه أضافه إليهما إضافة واحدة من غير ترجيح لأحدهما فاقتضى التسوية كقوله‏:‏ هذه الدار بيني وبينك وإن قال‏:‏ على أن لك ثلث الربح صح والباقي لرب المال لأنه يستحقه لكونه نماء ماله فلم يحتج إلى شرطه وإن قال‏:‏ على أن لي ثلث الربح ولم يذكر نصيب العامل ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ لا يصح لأن العامل إنما يستحق بالشرط ولا شرط له‏.‏

والثاني‏:‏ يصح والباقي للعامل لأنه يدل بخطابه على ذلك كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وورثه أبواه فلأمه الثلث‏}‏ دل على أن باقيه للأب وإن قال‏:‏ لي النصف ولك الثلث وترك السدس فهو لرب المال لأنه يستحقه بماله وإن قال‏:‏ خذه مضاربة بالثلث صح وهو للعامل لأن الشرط يراد من أجله ورب المال يأخذه بماله لا بالشرط ومتى اختلفا لمن الجزء المشروط فهو للعامل لذلك واليمين على مدعيه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏جهالة الربح في المضاربة‏]‏

وإن لم يذكر الربح أو قال لك جزء من الربح أو شركة لم تصح المضاربة لأن الجهالة تمنع تسليم الواجب وإن قال‏:‏ لك مثل ما شرط لفلان وهما يعلمانه صح وإن جهلاه أو أحدهما لم يصح ولا يجب أن يجب أن يشرط لأحدهما دراهم معلومة لأنه يحتمل أن لا يربحها أو لا يربح غيرها فيختص أحدهما بجمع الربح ولو شرط لأحدهما ربح أحد الألفين أو أحد الكيسين أو أحد العبدين وللآخر ربح الآخر أو جعل حقه في عبد يشتريه أو أنه إذا اشترى عبدا أخذه برأس المال لم يصح لإفضائه إلى اختصاص أحدهما بالربح‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن قال‏:‏ خذه مضاربة والربح كله لك، ونحو ذلك‏]‏

وإن قال‏:‏ خذه مضاربة والربح كله لك أو قال‏:‏ لي لم يصح لأن موضوعها على الاشتراك في الربح فشرطه كله له ينافي مقتضى العقد فبطل وإن قال‏:‏ خذه فاتجر به والربح كله لك فهو قرض لأن اللفظ يصح للقرض وقد قرن به حكمه فتعين له وإن قال‏:‏ والربح كله لي فهو إبضاع لأنه قرن به حكمه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏إن قال لغريمه‏:‏ ضارب بالدين الذي عليه‏]‏

فإن قال لغريمه‏:‏ ضارب بالدين الذي عليه لم يصح لأن ما في يد الغريم لنفسه لا يصير لغريمه إلا بقبضه فإن عزل شيئا واشترى به فالشراء له لأنه اشترى بماله ويحتمل أن تصح المضاربة لأنه اشترى له بإذنه ودفع المال إلى من أذن له في دفعه إليه فبرئت به ذمته وإن كانت له وديعة فقاتل للمودع‏:‏ ضارب بها صح لأنه عين ماله وإن كان عرضا فقال‏:‏ بعه وضارب بثمنه صح لأن الثمن عين مال رب المال وإن قال‏:‏ اقبض ما لي على فلان فضارب به ففعل صح لأنه وكيل في قبضه فيصير كالوديعة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الشرط على العامل أن لا يسافر بالمال‏]‏

ويصح أن يشرط على العامل أن لا يسافر بالمال ولا يتجر به إلا في بلد بعينه أو نوع بعينه أو لا يعامل إلا رجلا بعينه لأنه إذن في التصرف فجاز ذلك فيه كالوكالة ويصح توقيتها فيقول‏:‏ ضاربتك بهذه الدراهم سنة لذلك نص عليه وعنه‏:‏ لا يصح اختارها أبو حفص لأنه عقد يجوز مطلقا فلم يجز توقيته كالنكاح ويصح أن يشرط نفقة نفسه حضرا وسفرا قاسيا على الوكيل‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏اشتراط ما ينافي مقتضى العقد‏]‏

ولا يصح أن يشترط ما ينافي مقتضى العقد نحو أن يشرط لزوم المضاربة أو لا يعزله مدة بعينها أو لا يبيع إلا برأس المال أو أقل أو يوليه ما يختار من السلع لأنه يفوت المقصود من العقد وإن شرط أن يتجر له في مال آخر مضاربة أو بضاعة أو خدمة في شيء أو يرتفق بالسلع أو شرط على العامل الضمان أو الوضيعة أو سهما منها أو متى باع سلعة فهو أحق بها بالثمن فالشرط فاسد لأنه ليس في مصلحته العقد ولا مقتضاه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏كل شرط يؤثر في جهالة الربح يبطل المضاربة‏]‏

وكل شرط يؤثر في جهالة الربح يبطل المضاربة لأنه يمنع التسليم الواجب وما لا يؤثر فيه لا يبطلها في قياس قوله لنصه فيما إذا شرط سهما من الوضيعة أن المضاربة صحيحة لأنه إذا حذف الشرط بقي الإذن بحاله ويحتمل البطلان لأنه إنما رضي بالعقد بهذا الشرط فإذا فسد فات الرضى به ففسد كالمزارعة إذا شرط البذر من العامل وكالشروط الفاسدة في البيع ومتى فسدت فالتصرف صحيح لأنه بإذن رب المال والوضيعة عليه لأن كل عقد لا ضمان له في صحيحه لا ضمان في فاسده والربح لرب المال لأنه نماء ماله وإنما يستحق بالشرط وهو فاسد ها هنا لا يستحق به شيء وللعامل أجر مثله لأنه بذل منافعه بعوض لم يسلم له وإن فسدت الشركة قسم الربح على رؤوس أموالهما ورجع كل واحد منهما على الآخر بأجر عمله لما ذكرنا وقال الشريف أبو جعفر‏:‏ الربح بينهما على ما شرطاه لأنه عقد لا يجوز أن يكون عوضه مجهولا فوجب المسمى في فاسده كالنكاح‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏ما يقوم العامل بعمله‏]‏

وعلى العامل عمل ما جرت العادة بعمله له من نشر وطي وإيجاب وقبول وقبض ثمن ووزن ما خف كالنقود والمسك والعود لأن لإطلاق الإذن يحتمل على العرف والعرف أن هذه الأمور يتولاها بنفسه وإن استأجر من يفعلها فعليه الأجرة في ماله لأنه بذلها عوضا عما يلزمه وما جرت العادة أن يستنيب فيه كحمل المتاع ووزن ما يثقل والنداء فله أن يستأجر من مال القراض من يفعله لأنه العرف فإن فعله بنفسه ليأخذ أجرة لم يستحقها نص عليه لأنه تبرع بفعل ما لم يلزمه فلم يكن له أجر كالمرأة تستحق على زوجها خادما إذا خدمت نفسها ويتخرج أن له الأجر لأنه فعل ما يستحق الأجر فيه فاستحقه كالأجنبي‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏ما يحق له أن يشتريه مضاربة‏]‏

وليس له أن يشتر أكثر من رأس المال لأن الإذن لم يتناول غيره فإن كان ألفا فاشترى عبدا بألف فهو للمضاربة لأنه مأذون فيه فإن اشترى آخر لم يدخل في المضاربة لأنه غير مأذون فيه وحكمه حكم ما لو اشترى لغيره شيئا بغير إذنه فإن تلف الألف قبل نقده في الأول فعلى رب المال الثمن لأن الشراء بإذنه ويصير رأس المال الثمن الثاني لأن الأول تلف قبل تصرفه فيه وإن تلف قبل الشراء لم يدخل المشتري في المضاربة لأنها انفسخت قبل الشراء لتلف رأس المال وزوال الإذن‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏صفة تصرف المضارب‏]‏

وليس له التصرف إلا على الاحتياط كالوكيل لأنه وكيل رب المال إلا أن له شراء المعيب لأن مقصودها الربح وقد يربح في المعيب بخلاف الوكالة فإن الشراء فيها يراد للقنية فإن اشترى شيئا فبان معيبا فله رده فإن اختلف هو ورب المال في رده فعل ما فيه النظر لأن مقصود الحظ لهما فإذا اختلفا قدم الأحظ‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن اشترى من يعتق على رب المال‏]‏

فإن اشترى من يعتق على رب المال صح لأنه مال متقوم قابل للعقود فصح شراؤه كالذي نذر رب المال عتقه ويعتق وعلى العامل الضمان علم أو لم يعلم لأن مال المضاربة تلف بتفريطه وفي قدر ما يضمن وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ ثمنه لأنه فات فيه‏.‏

والثاني‏:‏ قيمته لأنها التالفة وقال أبو بكر‏:‏ إن لم يعلم لم يضمن لأنه معذور فلم يضمن كما لو اشترى معيبا لم يعلم عيبه ويتخرج أن لا يصح شراؤه لأن الإذن تقيد بالعرف لما يمكن بيعه والربح فيه فلا يتناول غيره ولأنه تقيد بما يظن الحظ فيه وهذا لا حظ للتجارة فيه ولهذا جعلناه مفرطا وألزمناه الضمان وإن اشترى زوجة رب المال أو زوج ربة المال صح وانفسخ النكاح لملكه إياه فإن كان قبل الدخول فعلى العامل نصف الصداق لأنه أفسد نكاحه بالرضاع‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن اشترى من يعتق على نفسه ولا ربح في المال‏]‏

فإن اشترى من يعتق على نفسه ولا ربح في المال لم يعتق وإن ظهر فيه ربح وقلنا‏:‏ لا يملك العامل إلى بالقسمة لم يعتق أيضا وإن قلنا‏:‏ يملكه بالظهور عتق عليه قدر حصته منه وسرى إلى باقيه إن كان موسرا وغرم قيمته وإن كان معسرا لم يعتق عليه إلى ما ملك وقال أبو بكر‏:‏ لا يعتق بحال لأنه لم يتم ملكه لأنه لم يتم ملكه في الربح لكونه وقاية لرأس المال‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏وطء جارية من المال‏]‏

وليس له وطء جارية من المال فإن فعل فعليه المهر لأنها مملوكة غيره ويعزر نص عليه ولا حد عليه لشبهة حقه فيها وقال القاضي‏:‏ عليه الحد إن لم يظهر ربح لأنه لا ملك له فيها والأول أولى لأن ظهور الربح ينبني على التقويم وهو غير متحقق فيكون شبهة فإن ولدت منه ولم يظهر ربح فالولد مملوك ولا تصير به الجارية أم ولد لأنها علقت به في غير ملك وإن ظهر ربح فالولد حر وأمه أم ولد وعليه قيمتها ويسقط من القيمة والمهر قدر حصة العامل منها وإن أذن له رب المال في التسري فاشترى جارية خرجت من المضاربة وصار ثمنها قرضا لأن استباحة البضع لا تكون إلا بملك أو نكاح لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم‏}‏‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏هل لرب المال وطء جارية من المضاربة‏؟‏‏]‏

وليس لرب المال وطء جارية من المضاربة لأن لغيره فيها حقا فإن فعل فلا حد عليه لأنها ملكه وإن لم تعلق منه فالمضاربة بحالها وإن علقت منه فالولد حر وتصير أم ولد له وتخرج من المضاربة وتحسب عليه قيمتها ويأخذ المضارب حصته من الربح مما بقي‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏هل له دفع المال مضاربة مرة أخرى‏]‏

وليس له دفع المال مضاربة لأنه إنما دفع إليه المال ليضارب به وبهذا يخرج عن كونه مضاربا فإن فعل فهو مضمون على كل واحد منهما على الأول لتعديه وعلى الثاني لأخذه مال غيره بغير إذنه فإن غرم الأول ولم يعلم الثاني بالحال لم يرجع عليه لأنه دفعه إليه أمانة وإن علم رجع عليه وإن غرم الثاني مع علمه لم يرجع على أحد وإن لم يعلم فهل يرجع على الأول‏؟‏ على وجهين بناء على المشتري من الغاصب وإن ربح فالربح لرب المال لأنه نماء ماله ولا أجرة لواحد منهما لأن الأول لم يعمل والثاني عمل في مال غيره بغير إذنه فأشبه الغضب وعنه‏:‏ له أجرة مثله لأنه عمل في المال بشبهة المضارب فأشبه المضاربة الفاسدة ويحتمل أنه إن اشترى في الذمة كان الربح له فأما إن دفعه إلى غيره بإذن رب المال صح ويصير الثاني هو المضارب فإن شرط الدافع لنفسه شيئا من الربح لم يستحق شيئا لأن الربح يستحق بمال أو عمل وليس له واحد منهما فإن قال له رب المال‏:‏ اعمل برأيك فعن أحمد رضي الله عنه‏:‏ جواز دفعه مضاربة كما ذكرنا في الشركة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏تعدي المضارب بفعل ما ليس له‏]‏

إذا تعدى المضارب بفعل ما ليس له فهو ضمان لأنه تصرف بغير إذن المالك فضمن كالغاصب والربح لرب المال ولا أجرة له لأنه عمل بغير إذن أشبه الغاضب وعنه له أجرة مثله ما لم تحط بالربح كالإجارة الفاسدة وعنه‏:‏ له أقل الأمرين من أجرته أو ما شرط له لأنه رضي بما جعل له فلا يستحق أكثر منه ولا يستحق أكثر من أجرة المثل لأنه لم يفعل ما جعل له الربح فيه وقال القاضي‏:‏ إن اشترى في الذمة ثم نقد المال فكذلك وإن اشترى بعين المال فالشراء باطل في رواية والنماء للبائع وفي رواية يقف على إجازة المالك فإن لم يجزه فالبيع باطل أيضا وإن أجازه صح والنماء له وإن أخذ الربح كان إجازة منه للعقد لأنه دل على رضاه وفي أجرة المضارب ما ذكرناه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏نفقة العامل‏]‏

ونفقة عامل على نفسه حضرا وسفرا لأنها تختص به فكانت عليه كنفقة زوجته ولأنه دخل على أن له جزءا مسمى فلم يستحق غيره كالمساقي وإن اشترط نفقته فله ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏[‏المؤمنون على شروطهم‏]‏ ويستحب تقديرها لأنه أبعد من الغرر فإن أطلق جاز لأن لها عرفا تنصرف إليه فأشبه إطلاق الدينار في بلد له فيه عرف قال أحمد ينفق على ما كان ينفق غير متعد بالنفقة ولا مضر بالمال وله نفقة من المأكول خاصة إلا أن يكون سفره طويلا يحتاج لى تجديد كسوة فله أن يكتسي فإن كان معه مال آخر فالنفقة على المالين بالحصص لأن النفقة للسفر والسفر لهما وإن مات لم يجب تكفينه لأنه لم يبق عاملا وإن لقيه رب المال في السفر ففسخ المضاربة فلا نفقة له لرجوعه لذلك‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏هل للمضارب أن يأخذ مضاربة أخرى‏؟‏‏]‏

وللمضارب أن يأخذ مضاربة أخرى إذا لم يكن فيه ضرر على الأولى لأنه عقد لا يملك به منافعه كلها فلم يملك عقد آخر كالوكالة فإن كانت الثانية تشغله عن الأولى لم يجز لأنه تصرف يضر به فلم يجز كالبيع بغبن فإن فعل ضم نصيبه من الربح في الثاني ربح الأول فاقتسماه لأن ربحه الثاني حصل بالمنفعة الي اقتضاها العقد الأول وإن فعل ذلك بإذن الأول جاز لأن الحق له فجاز بإذنه فإن أخذ مالين من رجلين واشترى بكل مال عبدا فاشتبها عليه ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ يكونا شريكين فيهما كما لو اشتركا في عقد البيع‏.‏

والثاني‏:‏ يأخذهما العامل وعليه رأس المال لأنه تعذر ردهما بتفريطه فلزمه ضمانهما كما لو أتلفهما‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏المال المدفوع للمضاربة‏]‏

وإذا دفع إليه ألفا ثم دفع إليه ألفا آخر لم يجز له ضم أحدهما إلى الآخر لأنه أفرد بكل واحد بعقد له حكم فلم يملك تغييره فإن أمره بضمهما قبل التصرف فيهما أو بعد أن نضا جاز وصارا مضاربة واحدة وإن كان بعد التصرف أن ينضا لم يجز لأن حكم ما تصرف فيه قد استقر فصار ربحه وخسرانه مختصا به فضم الآخر إليه يوجب جبر وضيعة أحدهما بربح الآخر فلم يجز‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏ربح المضارب‏]‏

وليس للمضارب ربح حتى يوفي رأس المال لأن الربح هو فاضل عن رأس المال فلو ربح في سلعة وخسر في أخرى جبرت الوضيعة من الربح وإن تلف بعض المال قبل التصرف فتلفه من رأس المال لأنه تلف قبل التصرف أشبه التالف قبل القبض وإن تلف بعد التصرف حسب من الربح لأنه دار في التجارة فإن اشترى عبدين بمائة فتلف أحدهما وباع الآخر بخمسين فأخذ منها رب المال خمسة وعشرين بقي رأس المال خمسين لأن رب المال أخذ نصف المال الموجود فسقط نصف الخسران ولو لم يتلف العبد وباعهما بمائة وعشرين فأخذ رب المال ستين ثم خسر العامل فيما معه عشرين فله من الربح خمسة لأن سدس ما أخذه رب المال ربح للعامل نصفه وقد انفسخت المضاربة فيه فلا يجبر به خسران الباقي وإن اقتسما العشرين الربح خاصة ثم خسر عشرين فعلى العامل رد ما أخذه وبقي المال تسعين لأن العشرة الباقية مع رب المال تحسب من رأس المال ومهما بقي العقد على رأس المال وجب جبر خسرانه من ربحه وإن قسما الربح قال أحمد‏:‏ إلا أن يقبض رأس المال صاحبه ثم يرده إليه أو يحتسبها حسابا كالقبض وهو أن يظهر المال ويجئ به فيحتسبان عليه فإن شاء صاحبه قبضه ولا يكون ذلك إلا في الناض دون المتاع لأن المتاع قد يتغير سعره وأما قبل ذلك فالوضيعة تجبر من الربح ولذلك لو طلب أحدهما القسمة دون رأس المال لم يلزم الآخر إجابته لأنه لا يأمن الخسران في الثاني وإن اتفقا على قسمة أو قسم بعضه أو على أن يأخذ كل واحد منهما كل يوم قدرا معلوما جاز لأن الحق لهما ولو تبين للمضارب ربح لم يجز له أخذ شيء منه إلى بإذن رب المال‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏ما يملك به العامل الربح‏]‏

ويملك العامل الربح بالظهور وعنه‏:‏ لا يملكه لأنه لو ملكه اختص بربحه والأول المذهب لأنه يملك المطالبة بقسمه فملكه كالمشتري وإنما لم يختص بربحه لأنه وقاية من رأس المال‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏فسخ المضاربة‏]‏

ولكل واحد منهما فسخ المضاربة لأنها عقد جائز فإذا فسخ والمال عرض فاتفق على قسمه أو بيعه جاز وإن طلب العامل البيع وأبى رب المال وفيه ربح أجبر عليه لأن حقه في الربح لا يظهر عليه إلا بالبيع وإن لم يكن فيه ربح لم يجبر لأنه لا حق له فيه وإن طلب رب المال البيع وأبى العامل أجبر في أحد الوجهين لأنه يستحق عليه رد المال كما أخذه والآخر لا يجبر لأنه متصرف لغيره حكم عقد جائز فلم يلزمه التصرف كالوكيل وإن كان دينا لزم العامل تقاضيه لأن المضاربة تقتضي رد المال على صفته‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏دفع المال مضاربة إلى أكثر من واحد‏]‏

ويجوز أن يدفع المال إلى اثنين مضاربة فإن شرط لهما جزءا من الربح ولم يبين كيف هو بينهما فهو بينهما نصفين لأن إطلاق لفظ‏:‏ لهما يقتضي التسوية وإن شرط لأحدهما ثلث الربح وللآخر سدسه صح لأن عقد الواحد مع الاثنين عقدان وإن قارض اثنان واحدا بألف لهما جاز وكان بمنزلة عقدين فإذا شرطا له جزءا من الربح والباقي لهما على قدر ملكيهما فإن كان بينهما نصفين فشرط أحدهما للمضارب نصف ربح نصيبه وشرط له الآخر الثلث والباقي بينهما نصفين فشرط أحدهما للمضارب نصف ربح نصيبه وشرط له الآخر الثلث والباقي بينهما نصفين لم يجز لأن كل وحد منها يستحق ما بقي من الربح بعد شرطه فإذا شرطا التسوية فقد شرط أحدهما جزءا من ربح مال صاحبه بغير عمل وإن دفع إليه ألفا وقال‏:‏ أضف إليها ألفا من مالك والربح بيننا لك ثلثه ولي ثلثه جاز وكان شركة وقراضا وللعامل النصف بماله والسدس بعمله وإن قال‏:‏ والربح بيننا نصفين نظرنا في لفظه فإن قال‏:‏ خذه مضاربه فسد لأنه جعل ربح ماله كله له وذلك ينافي مقتضى المضاربة وإن لم يقل مضاربة صح وكان إبضاعا وإن قال‏:‏ ولي الثلثان فسد لأنه يشرط لنفسه جزءا من ربح مال صاحبه بغير عمل‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن أخرج ألفا وقال‏:‏ أتجر أنا وأنت فيها والربح بيننا‏]‏

وإن أخرج ألفا وقال‏:‏ أتجر أنا وأنت فيها والربح بيننا صح نص عليه وذكره الخرقي بقوله‏:‏ أو بدنان بمال أحدهما وقال ابن حامد والقاضي‏:‏ لا يصح لأن المضاربة تقتضي تسليم المال إلى العامل وهذا الشرط ينفي ذلك والأول أظهر لأن العمل أحد ما تتم به المضاربة فجاز انفراد أحدهما به كالمال ومقتضى المضاربة إطلاق التصرف في المال والمشاركة في الربح وهذا لا ينفيه فإن شرط المضارب أن يعمل معه غلام رب المال فهو أولى بالجواز لأن عمل الغلام يصح أن يكون تابعا لعمل العامل كالحمل على بهيمته وقال القاضي‏:‏ لا يجوز لأن يد العبد كيد سيده‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏ضمان العامل في المضاربة‏]‏

والعامل أمين لا ضمان عليه فيما تلف بغير تعد لأنه متصرف في المال بإذن المالك لا يختص بنفعه فأشبه الوكيل والقول قوله فيما يدعيه من تلف أو يدعي عليه من جناية لذلك إن قال‏:‏ هذا اشتريته لنفسي أو للمضاربة أو اختلفا في نهي رب المال له عن شرائه فالقول قوله لأن الأصل عدم النهي وهو أعلم بنيته في الشراء وإن اختلفا في رد المال فالقول قول المالك لأنه قبض المال لنفع نفسه فلم يقبل قوله في الرد كالمستعير وإن اختلفا فيما شرط له من الربح ففيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ القول قول المالك لأن الأصل عدم ما اختلفا فيه‏.‏

والثانية‏:‏ إن ادعى العامل أجرة المثل أو قدرا يتغابن الناس به فالقول قوله لأن الظاهر صدقه وإن ادعى أكثر فالقول قول المالك لأن الظاهر صدقة فأشبها الزوجين إذا اختلفا في المهر‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الإقرار بربح في المضاربة‏]‏

وإن أقر بربح ثم قال‏:‏ خسرته أو تلف قبل قوله وإن قال‏:‏ غلطت أو نسيت لم يقبل لأنه مقر بحق لآدمي فلم يقبل رجوعه كالمقر بدين ولو اقترض العامل شيئا تمم به رأس المال ثم عرضه على رب المال فأخذه لم يقبل رجوع العامل ولم يملك المقرض مطالبة رب المال لأن العامل ملكه بالقرض وأقر به لرب المال ويرجع المقرض على العامل‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن قال المالك‏:‏ دفعت إليك المال قرضا قال‏:‏ بل قرضا أو بالعكس، ونحو ذلك‏]‏

فإن قال المالك‏:‏ دفعت إليك المال قرضا قال‏:‏ بل قرضا أو بالعكس أو قال‏:‏ غصبتنيه قال‏:‏ بل أودعتنيه أو بالعكس أو قال‏:‏ أعرتكه قال‏:‏ أجرتنيه أو بالعكس فالقول قول المالك لأنه ملكه فالقول قوله في صفة خروجه عن يده وإن قال المضارب‏:‏ شرطت لي النفقة فأنكره فالقول قول رب المال لأن الأصل عدمه وإن اتفقا على الشرط فقال المضارب‏:‏ إنما أنفقت من مالي فالقول قوله لأنه أمين فقبل قوله في الإنفاق كالوصي وله الرجوع سواء كان المال في يده أو لم يكن‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏شراء رب المال شيئا من مال المضاربة‏]‏

وإن اشترى رب المال شيئا من مال المضاربة لم يصح في إحدى الروايتين لأنه ملكه فلم يجز له شراؤه كماله الذي مع وكيله والثانية‏:‏ يصح لأنه قد تعلق به حق غيره فأشبه مال مكاتبه ويصح أن يشتري المضارب من مال المضاربة لنفسه لأنه ملك غيره فصح شراؤه له كشراء الوكيل من موكله ولا يصح شراء السيد من عبده المأذون لأنه ماله ويحتمل أن يصح إذا ركبته الديون وإن اشترى أحد الشريكين من مال الشركة بطل في نصيبه وفي الباقي وجهان بناء على تفريق الصفقة ويحتمل أن يصح في الجميع بناء على شراء رب المال من مال المضاربة وإن استأجر أحد الشريكين من شريكه دارا ليحرز فيها مال الشركة أو غرائر صح نص عليه وإن استأجره أو غلامه أو دابة لنقل المتاع ففيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ يجوز قياسا على الدار‏.‏

والثانية‏:‏ لا يجوز لأن الحيوان لا تجب له الأجرة إلا بالعمل ولا يمكن إبقاؤه في المشترك لعدم تميز نصيب أحدهما من الآخر بخلاف الدار فإن الواجب موضع العين من الدار فيمكن تسليم العقود عليه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏قسمة الدين في الذمم‏]‏

ولا يجوز قسمة الدين في الذمم لأنها لا تتكافأ والقسمة بغير تعديل بيع ولا يجوز بيع دين بدين وعنه‏:‏ يجوز لأن الاختلاف لا يمنع القسمة قياسا على اختلاف الأعيان ولا يمكن قسمة الدين في ذمة واحدة لأن معناها إفراز الحق ولا يتصور في ذمة واحدة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا كان لاثنين دين في ذمة رجل بسبب واحد فقبض أحدهما منهم شيئا‏]‏

إذا كان لاثنين دين في ذمة رجل بسبب واحد فقبض أحدهما منهم شيئا فهو بينهما إذ لا يجوز أن يكون المقبوض نصيب من قبضه لما فيه من قسمة الدين في ذمة واحدة وللشريك القابض مطالبته بنصيبه منه لذلك وله مطالبة الغريم لأنه لم يبرأ من حقه بتسليمه إلى غيره بغير إذنه ومن أيهما أخذ لم يرجع على الآخر لأنه حقه ثبت في أحد المحلين فإذا اختار أحدهما سقط حقه من الآخر وإن هلك المقبوض في يد القابض تعين حقه فيه ولم يضمنه للغريم لأنه قدر حقه فما تعدى بالقبض وإنما كان لشريكه مشاركته لثبوته مشتركا وإن أبرأ أحدهما الغريم برئ من نصيبه ولم يرجع عليه الآخر بشيء لأنه كتلفه وإن أبرأه من نصف حقه ثم قبضا شيئا اقتسماه أثلاثا وإن أخر أحدهما حقه جاز لأنه يملك إسقاطه فتأخيره أولى وإن اشترى بنصيبه شيئا فهو كما لو اشترى بعين مال مشترك بينهما وإن كان الحق ثابتا بسببين كعقدين أو إتلافين فلا شركة بينهما ولك واحد استيفاء حقه مفردا فلا يشاركه الآخر فيه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا ملكا عبدا فباعه أحدهما بأمر الآخر فادعى المشتري أنه قبض ثمنه فأنكر البائع وصدقه الآخر‏]‏

إذا ملكا عبدا فباعه أحدهما بأمر الآخر فادعى المشتري أنه قبض ثمنه فأنكر البائع وصدقه الآخر برئ من نصف ثمنه لاعتراف صاحبه بقبض وكيله له والقول قول البائع مع يمينه في أنه لم يقبض لأن الأصل عدمه ولا تقبل شهادة شريكه عليه لأن له فيها نفعا فإذا حلف قبض نصيبه من المشتري ولم يشاركه شريكه فيه لأنه يدعي أنه يأخذه ظلما وإن كان البائع ادعى أن شريكه قبض الثمن كله فأنكر لم تبرأ ذمة المشتري لأنه لم يوكله في القبض وليس للبائع مطالبة المشتري بأكثر من نصيبه لاعترافه بأن ذمته برئت من نصيب صاحبه فإذا قبض نصيبه فلصاحبه مشاركته فيه لأن دينهما واحد فإذا رجع عليه لم يكن للمقبوض منه مطالبة المشتري بشيء آخر لاعترافه بقبضه لجميع حقه وأن ما يأخذه صاحبه منه ظلم ويحتمل أنه ليس لصاحبه مشاركته لأنه ملك لاثنين وعقد الواحد مع الاثنين كعقدين‏.‏